السيّدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها
السيدة فاطمة رضي الله عنها هي أحبُ بنات الرسول صلى الله عليه
وسلم ، وأمُّها السيدة خديجة الكبرى سيدة نساء أهل الجنة . وهي
أمُّ الحسن والحسين سيِّدا شبابْ أهل الجنة من زوجها الإمام عليّ
كرم الله وجهه الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم :
مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاَهُ .
رواه الترمذي والحاكم .
وسنبحث عن هذا الحديث بالترجمة الخاصّة .
واتَّفَقَ جمهور العلماء لاسيما علماء أهل البيت على أن السيدة
فاطمة ولدت بمكة سنة خمس وثلاثين من مولد أبيها صلى الله عليه وسلم
أو بنحو خمس سنين قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة
الموافق لعشرين من جمادى الأخيرة عند تمام بناء الكعبة .
جدَّدَ قريش في تلك السَّنَةِ بناء الكعبة بعد أن تصدَّعَتْ
جدرانها المتأثرة بانحدار السيل في مكة المكرمة أدام الله فضلها
وشرفها . فلما تَمَّ البناء اختصمت قبائل قريش في وضع الحجر الأسود
عند مكانه الأول . وكل قبيلة تريد أن تستأثر بالإعتزاز والتشرف من
وضعه في موضعه ، واشتدّت تلك الخصومة حتى كاد أن تقع الحرب
والمقاتلة .
ولكن لما قام فيهم أسنُّهم أبو أمية ابن المغيرة مشيرا إلى أن
الأحقَّ بذلك الشرف هو أوّل من دخل باب المسجد فقبلوا ذلك جميعا .
وبقدرة الله وإرادته كان أوَّلُ من دخل الباب سيِّدَنا محمَّدًا
صلى الله عليه وسلم . فلما علموا أنه هذا الأمين هتفوا جميعا ،
وقالوا رضِينا بحكمه .
وبعد أن علم رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلافهم وتنافسهم في
هذا الأمر بسط رداءه فوضع الحجر بيده الكريمة فوق الرداء ، وطلب من
رؤساء كل قبيلة أن يأخذ كلهم بناحية من الرداء فحملوه جميعا ، حتى
لما بلغوا به مكانه رفع الحجر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بيده
فوضعه في موضعه فرضيت كل القبائل بما عمل به الرسول صلى الله عليه
وسلم .
ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إلى بيته ، فأتته
بشارة عظيمة أن ولدت له زوجته خديجة الكبرى رضي الله عنها بنتا
جميلة ، فاشتدَّ فرح الرسول صلى الله عليه وسلم في تلك الساعة ،
لأنه ترقَّبَ وانتظر ولادتها ، فمالبث أن يسجد شكرا لله تعالى ،
فكان في ذلك اليوم بشارتان لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأكثر العلماء يقولون : إن أولاد الرسول صلى الله عليه وسلم من
زوجه خديجة الكبرى رضي الله عنها كانوا مولودين جميعا قبل بعثته .
والمولود بعد البعثة هو ابنه سيدنا إبراهيم من أمه السيدة مارية
القبطية رضي الله عنها .
وهناك رواية يحسن لي ذكرها لكم هنا لتحذيركم منها فقدردَّها
علماؤنا المُحَدِّثُوْنَ وعدوها من الموضوعات المفتراة ، وهي أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه جبريل عليه السلام في إسرائه
بِتُفَاح من الجنة فأكله ثم صار نطفة ثم حملت السيدة خديخة ، فولدت
السيدة فاطمة من تلك النطفة . فلذا كلما اشتاق الرسول إلى الجنة
قبَّلَ ابنته فاطمة الزهراء رضي الله عنها .
أيها القارئ الكريم ، فتلك الرواية في بادئ الرأي مقبولةٌ قصد بها
رفع مكانة السيدة فاطمة الزهراء ، لأنه يفهم منها أن السيدة فاطمة
رضي الله عنها خلقت من تفاح الجنة ، فهذا قصد ممدوح ، ولكن أفلا
يعلم الناقلون لتلك الرواية أن السيدة فاطمة رضي الله عنها بضعة
وقطعة لحم من النبي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الذي
خلقت الجنة وما فيها لأجله .
ولنعلم أنهم لو أرادوا بالإسراء المذكور ما قد ذكر في القرآن فقد
تناقضوا لأن السيدة فاطمة قد ولدت قبل الحادثة العظيمة ، بل
قد
تُوُفِّيَتْ أمُّها قبل تلك الحادثة . فلذلك عدَّها العلماء
الباحثون فيها من الموضوعات المُحَرَّم روايتها على من علم بها .
كان سيدنا العباس رضي الله عنه عمُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم
يأتي ذات يوم إلى الإمام علي كرم الله وجهه وسيدتنا فاطمة الزهراء
، فيقول له أحدهما مَنِ الأسَنُّ مِنَّا ؟ فقال العباس رضي الله
عنه : أنْتَ يَا عَلِيُّ ، فقد ولدت قبل بناء قريش الكعبة بكثير من
السنين ، وأنت يا فاطمة مولودة عند تمام بناءها.
هذه هي سيدتنا فاطمة ابنة الرسول صلى الله عليه وسلم الرابعة التي
ولدت بعد عشر
سنين من زواج والديها . ولدت في بيت أمها الذي كان رسول الله يسكنه
منذ تزوجه بخديجة الكبرى إلى هجرته إلى المدينة المنورة . وكان ذلك
البيت بعد هجرته يسكنه ابن عمه عقيل بن أبي طالب شقيق سيدنا علي
رضي الله عنه كما قاله علماء التاريخ ثم يشتريه منه معاوية حين
استخلف فيجعله مسجدا .
|